--------------------------------------------------------------------------------
مهارة الاستحواذ على انتباه الطلاب طوال الدرس
كيف تشد الأنظار إلى شاشة العرض ؟
التمهيد
إن أكبر تحد يواجهه مخرجو الأفلام السنيمائية أو التلفزيونية هو كيفية شد انتباه المشاهد وجعله يستمر في مقعده طوال فترة العرض يتابع كل لقطة على شاشة العرض ويسمع كل حوار يدور كذلك حالنا نحن المعلمين إذ يواجهنا أيضا تحد مماثل هو كيف نشد انتباه الطلاب طوال الدرس فنجعل عيونهم لا نجفل وآذانهم لا تقفل ذلك لأن الطالب إذا لم تنبه فلن يتعلم، فالانتباه هو مفتاح التعلم.
لعلك تعلم أن أكبر مشكلة تواجه المعلمين اليوم هي ملل الطلاب وسرحانهم بعيدا عن موضوع الدرس ، فاصبحوا يهربون بعقولهم وأجسادهم بعيدا عن التعليم المدرسي نحو محطات الفضائيات ودور السينما والمسرح ومباريات كرة القدم ….إلخ
أما لماذا يهربون ؟ فالإجابة مباشرة هي أن البيئة المدرسية مملة وغير جاذبة. ومن ثم فعلينا نحن المعلمين أن نصنع شيئا لجذب انتباه طلابنا طوال الدرس .
كيف نحدد الطلاب غير المنتبهين للدرس؟
يستطيع المعلم النابه اليقظ أن يلحظ انصراف الطلاب عن الدرس عن طريق التلميحات ( الإيماءات) أو الإشارات الجسدية غير اللفظية التي تبدو على الطلاب والتي من أبرزها:
سرحان العيون-التحديق ببرود-إغفاء العيون-التثاؤب بكثرة-النظر إلى سقف الحجرة أو الأرضية-تسريح الشعر-حك الرأس باليد-تخليل الأسنان-قضم الأظافر-طقطقة الأصابع-الضحك أو الابتسام بدون سبب-البكاء-معاكسة الزملاء-اللعب المستمر أو العبث بالقلم بفتحه وإغلاقه مثلا-الرسم أو الكتابة-النظر من النافذة تحريك المقعد بكثرة-ضرب الأرض بالقدم-تعديل الهندام .
لا تكن مثل هذا المعلم: المعلم الممل
وهو الذي يوجد جسديا في قاعات الدراسة إلا أنه ينفصل فكريا ووجدانيا عن طلابه كأنه يدرس لذاته، فلا يهتم إن كان طلابه يتابعونه أم لا ؟ ولا يسعى إلى تشويقهم، فنجده تارة يقرأ الدرس من الكتاب الدراسي بصوت عال أو منخفض وبشكل رتيب أو يملي على طلابه الدرس من دفتر خاص أمامه ، كما نجده يسرد الدرس سردا وكأنه جهاز تسجيل. وهو أما واقف في مكان معين في قاعة الدرس طوال الوقت وكأنه تمثال مصلوب، وأما جالس على الكرسي لا تتحرك إلاّ شفتاه ووجهه جامد لا يعبر عن شيء.وأحيانا تكون أفكاره غير منظمة فتتشتت أفكار الطلاب ويضيع تركيزهم كما قد تجده يعيد ويزيد في نقطة معينة بلا مبرر وغالبا ما يكون المتحدث الوحيد طوال الدرس.
عد بذاكرتك إلى الوراء أثناء دراستك في المدرسة أو الجامعة وتذكر أسوأ ثلاثة من المعلمين مروا عليك في حياتك من هؤلاء الذين يشبهون المعلم الممل .ما السلوكيات التي يتفقون فيها ؟.
كن هذا المعلم: المعلم المغناطيسي
وهو المعلم الذي لديه قناعة كبيرة في أهمية الاستحواذ على انتباه طلابه طوال الوقت،بمعنى أن لديه اعتقادا راسخا في مقولة: أنه لا تعلم بلا انتباه، ومن ثم يسلك في تدريسه وفق هذا الاعتقاد، ونجده مثل المغناطيس القوي الذي يجذب برادة الحديد مهما بعدت عنه ومهما كانت صغيرة الحجم إنه معلم يقظ لا تفوته شاردة ولا واردة في قاعة الدرس .
وسنعرض فيما يلي لأبرز سلوكيات ذلك المعلم وقد ترى الاقتداء بكل هذه السلوكيات أو بعضها حسب ظروف وواقع المواقف التدريسية التي تمارسها فيما بعد،علما بأنه من المتوقع أن تطور مستقبلا سلوكيات خاصة بك:
أولا : يهيء البيئة الصفية الفيزيقية ( الضوء ، الصوت ، التهوية ، الحرارة ، السبورة ، الحد من الضوضاء ، جلوس الطلاب ………الخ ) بحيث يحقق أفضل ظروف ممكنة للتعلم وتقليل العوامل المشتتة
للانتباه إلى أقصى درجة ممكنة
ثانيا : يسعى لإفراغ أدمغة الطلاب في بداية الدرس مما قد يشغلهم عن تعلم موضوعه وبذلك يخلي بالهم مما قد يصرفهم عن الانتباه فنجده مثلا
* يعطي نحو دقيقة للطلاب لتحضير أنفسهم للدرس
* يرد على استفسارات الطلاب.
* يحل قدر الاستطاعة أي صراعات أو مناوشات بين الطلاب.
* يعطيهم نحو دقيقتين ليتحدثوا عما يشغلهم من هموم أو اهتمامات أو آراء .
* يخبر الطلاب بنتائج الاختبارات أو الواجبات المنزلية إن وجدت .
* يعطي تعليمات واضحة للطلاب عما هو مطلوب منهم القيام به أثناء سير الدرس ككتابة مذكرات وغيرها .
* يظهر تعاطفا مع اهتمامات الطلاب كأن يقول أعلم أنكم مشغولون باختبار الرياضيات الله معكم ويوفقكم في الإجابة عنه الحصة القادمة .
ثالثا : يهيء الطلاب لموضوع الدرس الجديد بالاستعانة بأساليب التهيئة الحافزة كطرح أسئلة تحفيزية أو رواية حكاية أو قصة نثرية أو تقديم بعض الآيات القرآنية أو الأحاديث الشريفة أو الأقوال المأثورة ،أو إعلام الطالب بما هو متوقع منهم أن يتعلموه في الدرس أو يحققوه من أهداف ، ربط الدرس السابق بالدرس الحالي .
رابعا : يحرص على أن يتعلم الطلاب بشكل منظم ومتتابع، ولا يخفى عليك أن الطلاب قد ينصرفون عن الدرس إذا قدمت إليهم ثم نقاط الدرس بشكل عشوائي غير مرتب أو منظم ،كأن تقدم لهم المعلومات واحدة من هنا والأخرى من هناك دون تسلسل أو ترابط بينها .
ولإنجاز ذلك نجده يأخذ بإحدى الصيغ التالية لتنظيم تتابع نقاط الدرس وعناصره ( المعلومات ، المهارات….الخ )
الأولى: وهي تقديم نقاط الدرس الجزئية أولا في ترتيب منطقي بحيث تبني كل نقطة على ما قبلها من نقاط وبشكل تدريجي في الشمول والتعقيد أي تأتي أصعب النقاط في آخر المطاف .ويطلق على هذه الصيغة بالصيغة الهرمية أو صيغة الترتيب من القاعدة للقمة.
الثانية : ويطلق عليها الصيغة التوسعية وهي تقديم نقاط الدرس في ترتيب يبدأ بمقدمة عامة أو منظم متقدم ينضوي على مجمل عام لهذه النقاط، ويلي ذلك تقديم تفصيل هذا المجمل بشكل متتابع من أعلى لأسفل، ويطلق على هذه الصيغة صيغة التنظيم من العام إلى التفاصيل.
الثالثة: ويطلق عليها صيغة التسلسل الزمني وبمقتضاها يتم نقاط الدرس وفق التسلسل الزمني/ التاريخي للأحداث بحسب حدوثها أو تطورها الزمني.
خامسا : يعمل على أن يفهم طلابه ما يتعلمونه إذ يؤمن بمبدأ التدريس من أجل الفهم وفي سبيل ذلك يستخدم أدوات الشرح ( الأمثلة، التشبيهات، الوسائل التعليمية )بكفاءة وكذا يستخدم الأسئلة التي تقود الطلاب إلى فهم ما يتعلموه .
سادسا : يظهر حماسه أثناء التدريس حيث أن المعلم المتحمس ينقل عادة روح الحماس إلى طلابه وعندما يتحمس الإنسان لشيء فإنه ينتبه لما يقال عنه عادة .
سابعا : ينظر إلى الطلاب دوما أثناء التدريس بشكل يتم فيه التواصل أو التلاقي البصري بينه وبينهم ويتجنب قدر الاستطاعة إدارة ظهره عنهم أو النظر فقط إلى السبورة .
ثامنا : ينوع في موقعه في حجرة الدراسة ،فلا يظل طوال الوقت جالسا أو واقفا في مكان واحد فالتنوع في حركة المعلم لا بد أن ترتبط بمقتضيات الموقف التدريسي .
كما يمكن للمعلم أن يلجأ إلى التحركات الجسمية الفجائية أو التوقف عن الحركة بسرعة بغية جذب الانتباه مع مراعاة عدم المبالغة فيها.
تاسعا : ينوع من الإشارات / الإيماءات الجسدية ( حركات اليدين، الذراعين، الرأس، العينين، الشفتين….الخ ) وهي إحدى صور الاتصال غير اللفظي ويتم عن طريقها إرسال رسائل غير لفظية من فرد إلى آخر أو آخرين ومن ثم تعد هذه الإشارات إحدى أساليب جذب الانتباه ونقل المعاني .
عاشرا : تغير نبرات الصوت وشدته ونوعيته حسب مقتضيات الموقف التعليمي فيضخم صوته أو يرخمه ويرفعه ويخفضه ويجعله مفعما بالمشاعر والأحاسيس بحيث لا يسير على وتيرة واحدة .
الحادي عشر : يسكت عن الكلام فجأة للحظات بسيطة (في حدود 3 ثوان ) إذا ما لاحظ أن الطلاب غير منتبهين له لسبب أو لآخر ،أو إذا أراد مزيدا من جذب انتباه طلابه .
الثاني عشر : يستخدم أساليب التركيز لتوجيه انتباه الطلاب لنقطة معينة محل التدريس حتى يلاحظوها ويتفحصوها، وهذه الأساليب هي :
1- التركيز اللفظي: ويتم ذلك من خلال التركيز على كلمات أو جمل معينة أو من خلال توجيه عبارات محددة توجه أنظار الطلاب إلى شيء محدد ومن هذه العبارات :انظروا إلى الرسم التوضيحي هذا،استمعوا بعناية لكيفية نطق هذا المصطلح ،لاحظوا هذه الصورة، لاحظوا الفرق في التركيب بين (كذا) و(كذا) .
2- التركيز الإشاري: ويتم عن طريق توجيه انتباه الطلاب إلى نقطة معينة باستعمال الإشارات الجسدية كإشارة باليد أو الرأس ، إصبع السبابة أو الضرب بخفة على السبورة .
3- التركيز اللفظي الإشاري : وفيه يشترك التركيز اللفظي والتركيز الإشاري.
الثالث عشر : يوظف الأسئلة بشكل جيد لجذب انتباه طلابه ومن الأساليب المستخدمة في هذا الصدد
- طرح أسئلة فجائية للطالب غير منتبه.
- طرح أسئلة من حين لآخر لتحديد فهم الطلاب لما تعلموه.
- تنويع مستويات الأسئلة السابرة .
الرابع عشر : ينوع من الأنشطة الصفية خلال الدرس كأن تكون كتابية وشفوية وعملية، تتم في المقعد أو على السبورة وأثناء جلوس الطلاب ووقوفهم في مقاعدهم أو أمام مقدمة الصف .
الخامس عشر : ينوع من أنماط الاتصال أثناء الدرس فمرة نجده يستخدم الاتصال ذا الاتجاه الواحد وهو ما يحدث عندما يتحدث هو لطلاب الفصل، ومرة يستخدم الاتصال ذا الاتجاهين عندما يتناقش مع أحد طلابه، ومرة يستخدم الاتصال المتعدد عندما يناقش طلاب الفصل معه ومع بعضهم في ذات الوقت .
السادس عشر : ينوع من أشكال استقبال الطلاب للمعلومات أثناء الدرس ، فلا يركز فقط على استقبالهم للمعلومات عن طريق حاسة السمع بل يحرص أيضا على أن يكون استقبالهم لها عن طريق حاسة البصر،فضلا عن الحواس الأخرى ( اللمس – الشم – التذوق )، وبذلك يكون معلمنا المغناطيسي قد نوع من أشكال استقبال المعلومات: البصر، اللمس، الشم، السمع .
السابع عشر : أن يأتي ببعض المعلومات الإضافية غير الموجودة في الكتاب المدرسي شريطة أن تكون مرتبطة بالدرس ويمكن استيعابها من قبل الطلاب .
الثامن عشر : يحرص على مبدأ عدم الخروج عن النص أثناء سير الدرس قدر الاستطاعة بمعنى أنه لا يميل إلى الاستطراد في أحاديثهم جانبية بعيدا عن موضوع الدرس ويبتعد عن الحشو اللغوي وكذلك يسعى إلى إعادة توجيه طلابه نحو مسار الدرس إذا استطرد أحدهم في أحاديث جانبية كما لا يسهب في الرد على أسئلة للطلاب البعيدة عن موضوع الدرس .
التاسع عشر : يستخدم أسماء الطلاب أثناء التدريس بغية لفت انتباههم فإذا كان يشرح عن البصمات فإنه يقول لو نظرت إلى أصابعك يا فاطمة بعدسة مكبرة لوجدت مجموعة من الخطوط المتعرجة المتداخلة فيما بينها….الخ .
العشرون : يعطي فترات توقف أو فترات راحة قصيرة أثناء الدرس إذا كان الدرس طويلا واستشعر حالة ملل أو إجهاد جسدي لدى طلابه .
الحادي والعشرون : يوجه الطلاب غير المنتبهين للكف عما يصرفهم عن متابعة الدرس، ومن الأساليب التي يستخدمها في هذا الصدد ما يلي:
السؤال / الأمر / السخرية المعتدلة / إثارة التنافس / التحفيز / الإيماءات / الملامسة / التهديد / القرب / الإطراء / عرض المساعدة / التذكرة .
الثاني والعشرون : يستخدم الفكاهة باعتدال في الدرس من حين لآخر متى توافرت الظروف المناسبة لذلك ومن أساليب الفكاهة:النكت غير المخلة ،رسوم الكاريكاتير، أفلام الكارتون المضحكة ،الأمثال والحكم الشعبية الظريفة ،القصص القصيرة ،الألغاز أو الفوازير الظريفة .
الخاتمة
التدريس فن من الفنون لا يقوم به ولا يتقنه ويبلغ منه غايته إلا كل من وُهب هذا الفن ،وبخاصة أنها عملية تتعامل مع العقول على اختلاف ما بينها من فروق فردية وتخضع للعديد من المتغيرات والمستجدات التي تطرأ على ساحة هذا الكون والتي هي في تغير وتجدد دائمين. وإنّي على ثقة كبيرة بما تمتلكينه من قدرات ومهارات في هذا المجال وسأل الله العظيم أن تعم الفائدة من موضوع هذا الاجتماع الفني ولكن جزيل الشكر والامتنان على حسن الإنصات و المناقشة البناءة .