بسم الله الرحمن الرحيم
موضوع راق لي أحببت أن تشاركوني قراءته ::::
((هل أعلمه الأدب أم أتعلم منه قلة الأدب!؟))
في كل صباح يقف عند كشكه الصغير ليُلقي عليه تحية الصباح ويأخذ صحيفته المفضلة ويدفع ثمنها وينطلق ولكنه لا يحظى إطلاقا بردٍ من البائع على تلك التحية، وفي كل صباح أيضاً يقف بجواره شخص آخر يأخذ صحيفته المفضلة ويدفع ثمنها ولكن صاحبنا لا يسمع صوتاً لذلك الرجل. وتكررت اللقاءات أمام الكشك بين الشخصين كلٌ يأخذ صحيفته ويمضي في طريقه، وظن صاحبنا أن الشخص الآخر أبكم لا يتكلم، إلى أن جاء اليوم الذي وجد ذلك الأبكم يُربت على كتفه وإذا به يتكلم متسائلاً: لماذا تُلقي التحية على صاحب الكشك؟ فلقد تابعتك طوال الأسابيع الماضية... وكنتُ في معظم الأيام ألتقي بك وأنت تشتري صحيفتك اليومية؟؟
فقال الرجل: وما الغضاضة في أن أُلقي عليه التحية؟
فقال: وهل سمعتَ منه رداً طوال تلك الفترة؟
فقال صاحبنا: لا.
قال: إذن لِمَ تُلقي التحية على رجلٍ لا يردها؟
فسأله صاحبنا: وما السبب في أنه لا يرد التحية برأيك؟
فقال: أعتقد أنه وبلا شك رجل قليل الأدب، وهو لا يستحق أساساً أن تُلقي عليه التحية.
فقال صاحبنا: إذن هو برأيك قليل الأدب؟
قال: نعم.
قال صاحبنا: هل تُريدني أن أتعلم منه قلة الأدب أم أعلمه الأدب؟
فسكت الرجل لهول الصدمة.. ورد بعد طول تأمل: ولكنه قليل الأدب وعليه أن يرد التحية.
فأعاد صاحبنا سؤاله: هل تُريدني أن أتعلم منه قلة الأدب أم أعلمه الأدب؟
ثم عقَّب قائلاً: يا سيدي أياً كان الدافع الذي يكمن وراء عدم رده لتحيتنا فإن ما يجب أن نؤمن به أن خيوطنا يجب أن تبقى بأيدينا لا أن نُسلمها لغيرنا،ولو صرتُ أنا مثله لا أُلقي التحية على من ألقاه لتمكن هو مني وعلّمني سلوكه الذي تسميه قلة أدب، وسيكون صاحب السلوك الخاطئ هو الأقوى وهو المسيطر، وستنتشر بين الناس أمثال هذه الأنماط من السلوك الخاطئ، ولكن حين أُحافظ على مبدئي في إلقاء التحية على من ألقاه أكون قد حافظت على ما أؤمن به، وعاجلاً أم آجلاً سيتعلم سلوك حُسن الخلق.
ثم أردف قائلاً: ألستَ معي بأن السلوك الخاطئ يُشبه أحياناً السم أو النار..!؟ فإن ألقينا على السم سماً زاد أذاه وإن زدنا النار ناراً أو حطباً زدناها اشتعالاً، صدقني يا أخي أن القوة تكمن في الحفاظ على استقلال كل منا، ونحن حين نُصبح متأثرين بسلوك أمثاله نكون قد سمحنا لسُمهم أو لخطأهم أو لقلة أدبهم كما سميتها أن تؤثر فينا وسيُعلموننا ما نكرهه فيهم وسيُصبح سلوكهم نمطاً مميزاً لسلوكنا وسيكونون هم المنتصرين في حلبة الصراع اليومي بين الصواب والخطأ، ولمعرفة الصواب.. تأمل معي جواب النبي عليه وعلى آله الصلاة والسلام على ملك الجبال حين سأله: يا محمد أتريد أن أُطبق عليهم الأخشبين؟
فقال: لا.. إني أطمع أن يُخرج الله من أصلابهم من يعبد الله، اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون.
لم تنجح كل سُبل الإساءة من قومه له ـ عليه الصلاة والسلام ـ أن تُعدل سلوكه من الصواب إلى الخطأ! مع أنه بشر.. يتألم كما يتألم البشر، ويحزن ويتضايق إذا أُهين كما يتضايق البشر، ولكن ما يُميزه عن بقية البشر هذه المساحة الواسعة من التسامح التي تملكها نفسه، وهذا الإصرار الهائل على الاحتفاظ بالصواب مهما كان سلوك الناس المقابلين سيئاً أو شنيعاً أو مجحفاً أو جاهلاً، ويبقى السؤال قائماً: حين نُقابل أُناسـاً قليلي الأدب هل نتعلم منهم قلـة أدبهم أم نُعلمهم الأدب؟