اللهم صل على محمد و ال محمد
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
يرى بعض العلماء أن الخوف غريزة نفسية و قوة طبيعية يشترك فيها الانسان و الحيوان , و هذه الغريزة في الحيوان تدفعه لمواجهة العدو بأسالبيه المختلفة التي أودعها الله جل شانه إياها دفاعاً عن حياته و الهروب حيناً آخر حين يستشعر الخطر, أما في الانسان فهذه الغريزة تتأثربالعوامل الخارجية كالتربية و البيئة و المجتمع و العوامل الوراثية فيتحول هذا الخوف إلى خوف محمود أو خوف مذموم و ربما سيطر على الانسان و طغى عليه ليتحول إلى مرض عضال.
و لو تأمل كل منا في الأشياء التي يخافها سنجدها مختلفة فالبعض يخاف المستقبل مثلاً أو الظلام أو الجن أو يخاف وقوع مكروه له او فقده لعمله مثلاً بعضها يكون لسبب و بعضها الأخر ليس لها أسباب واضحة.
لكن معظمنا إن لم يكن جميعنا نشترك في خوف الموت!!
على الرغم من أننا نعلم أنه نهاية محتومة لهذه الحياة , على الرغم من أننا في كل يوم نسمع أن فلان مات و أخر قضى نحبه , و مع ذلك نبعده عن تفكيرنا و نمضي قدماً في الحياة و كأنه واقع بالجميع فيما عدانا, و نعتبر من يكثر الحديث عن الموت متشائم نفر من صحبته بل و يحتاج لعلاج نفسي..
فلماذا نخاف الموت؟
يذكر الشيخ الجليل محمد مهدي النراقي في كتابه جامع السعادات مجمل الأسباب التي تدفع بالانسان للخوف من الموت و يجيب عن كل منها و هنا أذكر لكم جملة هذه الأسباب:
· أن الموت يعني فناء الانسان و عدمه..
و هذا بالطبع لا يشغل المؤمن لأننا نعلم أن الموت إنما قطع لعلاقة الروح عن الجسد و انتقال من حياة لأخرى فإن فنى الجسد فالروح باقية و ما هذا الجسد إلا وسيلة لحركة الروح و أداء وظيفتها في الحياة الدنيا بل هو قيد ترزح تحت وطأته.
· أن الموت نقص لأجل الانسان..
و الحقيقة أنه العكس تماماً فموت الانسان يعني اكتمال أجله ووصوله لحده و هذا يوجب الكمال و ليس النقص, يقول تعالى في محكم كتابه : " فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة و لا يستقدمون " الأعراف 34 فكل انسان قدر له العيش في هذه الحياة لمدة محددة تماماً و عندما يموت فهذا يعني أنه استوفى المدة بما حوته من أرزاق و أحداث.
· أن الموت يعني فراق الأولاد و الأموال و المتاع..
و هذا في واقعه ليس خوفاً من الموت و إنما هو حزن على مفارقة بعض الزخارف الفانية , و حري بالمؤمن أن يحرر قلبه من التعلق الشديد بما يعلم أنه مفارقه لا محالة, فهذه النعم قد تكون خيراً للانسان و قد تكون ملهاة له حتى يدركه الموت يقول تعالى " ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر".
· أن الموت فيه سعادة للأعداء و موجب لشماتتهم..
و هذا لا يقتصر على الموت فقط فلو كان له عدو فتراه يفرح بكل محنة و ألم يصيبه , و إن هو فرح بمته فذلك لن يضره و لن يؤثر فيه بعد الموت , وحري بالمؤمن أن يجتهد في إزالة كل عداوة بينه و بين الأخرين.
· أن الموت فيه تضييع للأولاد و العيال..
وهذه في الحقيقة و ساوس شيطانية فالمؤمن يفوض أموره و أمور أولاده للباري جل و علا فهو خالقهم و رازقهم فالأحرى به أن يكلهم لموجدهم و مولاهم , و لو تأملنا فالبعض يورث أبناءه الثروات و الأموال فتضيعهم شر ضياع , بل أن بعض الأولاد ينشؤون في كنف أبائهم و لكن لا يمنعهم ذلك من الإنحراف , و من جهة أخرى نجد من الأيتام من يرقى مدارج الكمال فالأمركله بيد الله تعالى.
· الخوف من العذاب الجسمي و الروحي المترتب على المعاصي و الذنوب..
وهذا ما يجدر بكل فرد منا الخوف منه, و لكن لابد أن يكون هذا الخوف محركاً للانسان و باعثاً على ترك الذنوب و المعاصي و تصفية الذمة من كل متعلقاتها ليلقى وجه الله سبحانه بروح صافية.
· و أضيف نقطتين هنا أن الخوف من الموت قد يكون خوفاً من المجهول..
فعندما يريد شخص السفر تجده يستعد له بفترة و يسأل من قصد نفس وجهته عن حال الطقس و الناس و الفنادق و كل التفاصيل لأن الانسان لا يحب الإقدام على المجهول , فكيف بالموت فلا أحد من الأحياء يستطيع أن يخبرنا بحقيقته و لا أحد ممن عاش واقعه يستطيع إخبارنا, و إن كانت قد وردتنا الكثير من الأحاديث التي تحدث عن الموت و الحياة بعده و النشر و الحساب و الثواب و العقاب و لكن لا يزال بالنسبة لنا مجهولاً و كل مجهول مخيف.
· أن الموت يحول بين المرء و بين تحقيق أهدافه..
و الحقيقة بأنه إذا كانت هذه الأهداف دنيوية فهو قد نسي أن هذه الدنيا مزرعة الأخرة , و لابد أنه غفل عن واقع أن أرزاقنا كلها في اللوح المحفوظ موثقة و حتى أخر نفس لنا في هذه الحياة لن نفةته فما قدره لنا الله لابد كائن و مالم يقسمه لنا سوف لن نبلغه حتى و إن عمرنا مئات السنين, أما إذا كانت أهدافه أخروية فالعجل العجل في تحقيقها و إن لم يمكنه تحقيقها فله أجر جهده و نيته و الله لايضيع أجر العاملين.
إذن هل الخوف من الموت مذموم أو محمود؟
إذا كان هذا الخوف باعثاً على التهيؤ و الاستعداد للموت و ما بعده و نبذ الترف الدنيوي فهذا طريق السلامة بإذن الله , و نجد أن من الأولياء الصالحين من يحفر له في منزله حفيرة يتمدد فيها كل ليلة ليتذكر الموت و يجتهد في اغتنام الحياة ما بقيت له أنفاس فيها, و منهم من وصل إلى درجة عالية من الذوبان في المولى جل اسمه فلا يطيق البعد عنه وفهو يعتبر هذه الحياة حائل بغيض بينه و بين معشوقه, و حتى في أدعية أئمتنا صلوات الله عليهم نجد أن الدعاء بطول العمر مقرون بالعمل الصالح و إلا فالموت خير منه : " اللهم عمرني ماكان عمري بذلة في طاعتك فإن كان عمري مرتعاً للشيطان فاقبضني إليك قبل أن يسبق مقتك إلي أو يستحكم غضبك علي".
أما إذا كان خوفه نابع من تمسكه بالذائذ الدنيوية فيصم سمعه و بصره و قلبه عن كل داع مذكر بالموت فهذا هو الخوف المذموم الذي نسأل الله تعالى أن ينبهنا منه و من نومة الغافلين.
دعواتي لكم بالعمر المديد في طاعة الله جل و على و خدمة أهل البيت عليهم السلام..